بسم الله الرحمن الرحيم
هل يوجد أحدٌ الآن من " آل البيت " ؟ وماذا عن ادعاءات كثيرين له ؟
السؤال :
هل
يوجد أحد من نسل النبي صلى الله عليه وسلم ويكون جدهم عن طريق فاطمة رضي
الله عنها ؟ وما قولك في الذين يدعون أنهم من آل البيت من السنَّة والشيعة
في يومنا هذا ، ويقولون : نحن لا نأكل الصدقات ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:علم
الأنساب علم جليل ، وقد كان أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه أعلم الناس
بالنسب ، وقد أخطأ من قال : إنه علمٌ لا ينفع ، والجهل به لا يضر ، وكيف
يكون هذا مع الأمر منه صلى الله عليه وسلم بالتعرف على النسب لأجل صلة
الرحم ؟ وكيف يكون هذا مع الوعيد على من انتسب إلى غير أبيه ، أو إلى غير
قبيلته ؟ .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ ،
فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ ، مَثْرَاةٌ فِي
الْمَالِ ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ ) . رواه الترمذي ( 1979 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
( مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ ) يَعْني : زِّيَادَة فِي الْعُمُرِ .
قال
ابن عبد البر رحمه الله : " ولعمْري ما أنصف القائل : " إن عِلْم النسب
عِلْم لا يَنفع ، وجَهالة لا تضر " ؛ لأنه بيِّن نفعُه لما قدّمنا ذكره ؛
ولما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( كُفْرٌ بالله تبرُّؤ من نسب وإن دق ، وكفر بالله ادعاء إلى نَسب لا يُعرف ) – رواه أحمد وابن ماجه ، وحسَّنه الأرناؤط والألباني - .
وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مثلُه .
وقال صلى الله عليه وسلم :
( من ادعى إلى غير أبيه ، أو انتمى إلى غير مواليه : فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صَرفاً ولا عدلاً ) – رواه الترمذي ، وصححه الألباني - .
فلو
كان لا منفعة له : لمَا اشتغل العلماء به ، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله
عنه كان أعلم الناس بالنسب ، نسب قريش ، وسائر العرب ، وكذلك : جُبير بن
مطعم ، وابن عباس ، وعقيل بن أبي طالب ، كانوا مِن أعلم بذلك ، وهو عِلم
العرب الذي كانوا به يتفاضلون ، وإليه ينتسبون " انتهى .
"الإنباه عن قبائل الرواة" ( ص1 ) .
ثانياً:
النسب
الشريف ادَّعاه كثيرون ، من أجل الشهرة ، وتسويق البدع والانحرافات ، ومن
أجل الاستيلاء على أموال الناس ، وأكثر من ادَّعى هذا النسب الشريف للنبي
صلى الله وسلم هم الرافضة ، والمتصوفة ، ومنهم رؤوس لتلك الفرق الضالة .
1. قال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة أبي الحسن الشاذلي ( توفي 656 هـ ) وهو رأس الطائفة الشاذلية - :
"
وقد انتسب في بعض مؤلفاته في التصوف إلى " علي بن أبي طالب " ، ثم ذكر هذا
النسب الذي ادعاه : ابن يوشع بن ورد بن بطال بن محمد بن أحمد بن عيسى بن
محمد بن الحسن بن علي رضي الله عنه .
ثم قال الذهبي : وهذا نسب مجهول لا يصح ولا يثبت ، وكان الأولى به تركه ، وترك كثير مما قاله في تواليفه في الحقيقة " انتهى .
"تاريخ الإسلام" (48/273 ، 274) .
2.
وفي " العبيديين " – أبناء عبيد بن ميمون القداح – الباطنية ، الذين تسموا
– كذباً وزوراً بـ " الفاطميين " – قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"
فالشاهد لهم بالإيمان : شاهد لهم بما لا يعلمه ؛ إذ ليس معه شيء يدل على
إيمانهم مثل ما مع منازعيه ما يدل على نفاقهم وزندقتهم ، وكذلك " النسب "
، قد عُلم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم ، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس
أو اليهود ، هذا مشهور من شهادة علماء الطوائف من الحنفية ، والمالكية ،
والشافعية ، والحنابلة ، وأهل الحديث ، وأهل الكلام ، وعلماء النسب ،
والعامة ، وغيرهم ، وهذا أمر قد ذكره عامة المصنفين لأخبار الناس وأيامهم
، حتى بعض من قد يتوقف في أمرهم كابن الأثير الموصلي في تاريخه ونحوه ؛
فإنه ذكر ما كتبه علماء المسلمين بخطوطهم في القدح في نسبهم .
وأما
جمهور المصنفين من المتقدمين والمتأخرين حتى القاضي ابن خلكان في تاريخه :
فإنهم ذكروا بطلان نسبهم ، وكذلك ابن الجوزي ، وأبو شامة ، وغيرهما من أهل
العلم بذلك ، حتى صنَّف العلماء في كشف أسرارهم ، وهتك أستارهم ، كما صنف
القاضي أبو بكر الباقلاني كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم ،
وذكر أنهم من ذرية المجوس ، وذكر من مذاهبهم ما بيَّن فيه أن مذاهبهم شرٌّ
من مذاهب اليهود والنصارى ، بل ومن مذاهب الغالية الذين يدعون إلهية " علي
" ، أو نبوته ، فهم أكفر من هؤلاء " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (35 / 128 ، 129) .
هنعم
وأما الذين يدعون هذا النسب الشريف من الرافضة العجم فهم كثير في زماننا هذا .
ثالثاً:
ثبوت النسب الشريف له طرق كثيرة :
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : " وأما طريق ثبوت النسب الشريف : فذلك يعرف من أمور كثيرة :
أحدها
: النص من المؤرخين الثقات أن البيت الفلاني ، أو آل فلان من أهل البيت ،
ويعرف أن الشخص الذي يشتهر فيه من أهل ذلك البيت المنصوص عليه من المؤرخين
الثقات .
ومنها : أن يكون بيد من يدَّعي أنه من أهل البيت وثيقة شرعية من بعض القضاة المعتبرين ، أو العلماء الثقات : أنه من أهل البيت .
ومنها : الاستفاضة عند أهل البلد أن آل فلان من أهل البيت .
ومنها
: وجود بيِّنة عادلة ، لا تنقص عن اثنين ، تشهد بذلك ، مستندة في شهادتها
إلى ما يحسن الاعتماد عليه ، من تاريخ موثوق ، أو وثائق معتبرة ، أو نقل
عن أشخاص معتبرين .
وأما مجرد الدعوى التي ليس لها مبرر : فلا ينبغي الاعتماد عليها ، لا في هذا ، ولا في غيره " انتهى .
"فتاوى إسلامية" (4/531) .
رابعاً:
لا
يمكن لأحدٍ إنكار وجود من ينتسب إلى آل النبي صلى الله عليه وسلم انتساباً
صحيحاً ، سواء من بني هاشم - وهم آل علي ، وآل عباس ، وآل جعفر ، وآل عقيل
، وآل الحارث بن عبد المطلب - ، أو من بني المطلب – والمطلب هو أخو هاشم -
.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" إذا قال قائل : هل هؤلاء موجودون ؟ أعني : بني هاشم ، والمطلب ؟ .
قلنا
: نعم ، موجودون ، وقد ذكروا أن مِنْ أثبت الناس نسباً لبني هاشم : ملوك
اليمن الأئمة ، الذين انتهى ملكهم بثورة الجمهوريين عليهم قريباً ، فهم
منذ أكثر من ألف سنة متولون على اليمن ، ونسبهم مشهور ، معروف بأنهم من
بني هاشم .
ويوجد ناس كثيرون أيضاً ينتمون إلى بني هاشم ، فمن قال :
أنا من بني هاشم : قلنا : لا تحل لك الزكاة ؛ لأنك من آل الرسول صلّى الله
عليه وسلّم " انتهى .
" الشرح الممتع " ( 6 / 257 ) .
والنسب الشريف لا يجوز حصره في آل علي – وهم ذرية علي بن أبي طالب – فقط دون غيره ، فقد سبق أن هذا النسب يسع غيرهم ممن ذكرناهم .
مع
التنبيه على أن النسب الشريف لا ينفع صاحبه إن كان كافراً ، أو فاجراً ،
ولا يضر المسلم الطائع لربه تعالى أن يكون عبداً مملوكاً ، فالمسلم يلقى
ربه بأعماله الصالحة ، وهو مما يملك أن يزيد فيها وينقص ، وأما النسب
الشريف : فهو ليس في اختيار المسلم ، ولن يكون لصاحبه فضل في الآخرة بمجرد
انتسابه ذاك .
قال الله تعالى :
( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات/13 ، وقال تعالى :
(
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97 .
خامساً:أما بخصوص تحريم الصدقات : فننبه على أمرين :
1. الصدقات الممنوعة على آل النبي صلى الله عليه وسلم هي الصدقات الواجبة ـ كالزكاة والكفارات ـ دون صدقات التطوع .
2.
لا تحرم الزكاة على كل الأشراف ، بل المنع والتحريم على " بني هاشم " منهم
فقط ، وهم ذرية هاشم بني عبد مناف ، وهو الجد الثاني للرسول صلى الله عليه
وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ولفظ " الأشراف "
لا يتعلق به حكم شرعي ، وإنما الحكم يتعلق بـ " بني هاشم " ، كتحريم
الصدقة ، وأنهم آل محمد صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك " انتهى .
" منهاج السنة النبوية " ( 4 / 559 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"
إذا كانت الصدقة صدقة تطوع : فإنها تُعطى إليهم ، ولا حرج في هذا ، وإن
كانت الصدقة واجبة : فإنها لا تعطى إليهم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ ) ، وبنو هاشم شرَّفهم الله عز
وجل بألا يأخذوا من الناس أوساخهم ، أما صدقة التطوع : فليست وسخاً في
الواقع ، وإن كانت لا شك تكفر الخطيئة ، لكنها ليست كالزكاة الواجبة ،
ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنهم يعطون من صدقة التطوع ، ولا يعطون من
الصدقة الواجبة " انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/429) .